Friday, February 7, 2014

موضوع سيدي الرئيس: اسمي محمد، وأنا لست إرهابيا امة اقرا


مرحبا "ماريا".. كيف حالك ؟
هناك عضلة ما في بدني تتمدد وتنقبض فتؤلمني، تخبرني بأن هذا السؤال تافه وقديم وبليد. لكن ما الضير يا ماريا إن سأل شخص ما من بين كومة الآدميين الموجودين في هذا العالم، عن أحوال زوجته وسط هذه الزوبعة التي لا تختار مسارها؟ أدرك أنه لا حول لنا ولا قوة أمام قدر الله، وأعلم أن كلماتي هذه، ودموعنا معاً لن تعيد الحياة لأحمد. أعلم بأن الذين قتلوه، إنما قتلوه ظلماً وعدواناً وغيرة وحقداً، لأنه ابن مسلم، إرهابي، متوحش..
ماريا. كنت قد أخبرتكِ ذات يوم بأني سأهديكِ ما أكتب خلال رحلتي الطويلة هذه والمتعبة نحو مقابلة الرئيس. لا تقلقي، أنا أدون كل تفاصيل الرحلة في دفتر خاص، ستجدين فيه كل لحظاتي، وأيامي، وصمتي، كلها مجسدة لكِ في كلماتي. لعلها، تخفف عنكِ من قسوة هذا الواقع الذي يخلبكِ في القلب والعقل والكبد والكيان كله، ريثما تتماثلين للشفاء مجدداً...
.....
أقف أمام السيد المحقق عاريا وأنا أواري سوءتي، كم هو مخجل يا ماريا أن تقف هكذا عاريا أمام الناس ! هذا الخجل أضفى على غرفة التحقيق بعض الصمت.. أنا صامت تماما، هم أيضا صامتون ولا أحد يفكر في الكلام، على الأقل في هذه اللحظة. لكن لا بأس، فحين أتحدث، سوف أقول لهم إن اسمي محمد، وإنني مسلم ولست إرهابيا، سأثبت لهم بأنهم يمسكون بالرجل الخطأ وإنه لأمامي طريق طويل جداً كي أقابل الرئيس..
شيء ما يجعلني لا أغضب ولا أقلق مما فعلوه بي من تعريتي من ملابسي، لست قلقاً، فأنا عارٍ، عارٍ تماماً مثلما ولدتني أمي، لقد تحررت من كل شيء. أتأمل المحقق. نظاراته سميكة، من ورائها توجد عينان زرقاوان جاحظتان تحدقان في أحد ما، تباً إنه أنا، ملت بالبصر إلى الطاولة، كانت قريبة مني، مستطيلة الشكل و الفوضى تعمها، قنينة ماء، سجلات سوادء وغير مرتبة، علبة سجائر مبعثرة، فنجان قهوة باردة. عدت إلى قنينة الماء، أشعر بالعطش، لا هذا ليس عطشا يا ماريا، إنه جفاف في الفم والحلق والأحشاء، جفاف يحول شفتيك إلى صحراء قاحلة .
ارتفع رأس المحقق، ضغط على شفتيه بأسنانه حتى كدت أظنه تألم، ونظر باتجاهي:
- أهلاً أهلاً أهلاً.. كنا نبحث عنك منذ زمن.. أين أصحابك؟
كنت أتأمل أذنيه الذين يخترقهما ثقب إهلليجي..
- أهلا بكم سيدي، ولكن، لماذا تبحثون عني ؟
ضحك، وشاركه في الضحك أربعة من الأشخاص، آذانهم كلها متشابهة، كانوا يضحكون بصوت عالٍ، اضطررت حينها إلى أن أشاركهم، لم أقاسمهم الضحك، بل كنت أتبسم، وعندما رأيت نفسي تبتسم قلت لها افعلي و استمري، لا بأس بابتسامة، لأنه في هذه المدينة الكبيرة تحدث أمور صغيرة. أنتقل ببصري في أعينهم، يسكتون، ثم يقول الجالس في كرسيه خذوه، فأخذوني. أنا لا أعرف أسماءهم يا ماريا، أقسم بالله الصمد أنني لا أعرفهم ولا أعرف كذلك لماذا أحضروني إلى هنا ! يداي مقيدتان، مع ذلك أكتب.
المكان هنا ضيق جداً، بارد جداً، متسخ جداً، حسبته للوهلة الأولى دورة مياه. المكيف معطل ودرجة الحرارة اثنتان فوق الصفر. قلت للذي رماني هنا قبل مغادرته إنه بإمكاني إصلاح المكيف، لكنه لم يسمعني كفاية، وفي الحقيقة هو لا يريد أن يسمعني، وصفق الباب خلفه.
.....
فُتح الباب الموصد فأصدر صريراً. أرى قدامي شخصان طويلا القامة، عريضا المنكبين ولم يسبق لي أن رأيتهما، يرتديان زيا رسميا، أحدهما أصلع، لكنه يخفيها بالقبعة، والآخر أشقر ويرتدي القبعة كذلك. لم يكلماني طويلاً، فقط كلمة "Get up" الوحيدة التي خرجت من فم أحدهما. أخذاني كما أُمرا إلى الغرفة المجاورة، أعطياني ملابساً كما أُمرا، انسلكت فيها، الرائحة رائحتي، تباً، إنها ملابسي. حلا وثاقي وأخذاني إلى غرفة أخرى. وقفت أمام المحقق، لقد أصبح جميلاً، وجه محلق بدون نظارات هذه المرة، ملابس أنيقة، وحتى الطاولة صارت مرتبة، نفس الأشياء التي كانت عليها قبل يومين، عدا فنجان القهوة، الآن هو فارغ ومقلوب. قال لي:
- أهلا.. كيف الحال؟
وببساطة قلت:
- الحمد لله..
قطب حاجبيه وسأل:
- ماذا تعني العبارة ؟
أردت أن أجيبه، فقاطعني:
- ماذا تفعل هنا؟
-سيدي، أنا لا أعلم ما كانت جريمتي ! ولكن اسمي محمد، محمد عبد الرحمن، أنا في طريقي لألتقي برئيس الولايات المتحدة الأمريكية، لأن زوجتي لا تريد أن تراني، لقد طردتني بألمٍ لأن ابنها قُتل بسبب نسبي على حد تعبيرها.. سيدي المحقق، أنا محمد، وأنا مسلم، لست إرهابيا. هذه هي الرسالة التي كلفتني بها امرأتي لأبلغها إلى الرئيس. أعرف أنها ربما كانت تمزح، أو لعلها كانت تسخر، وتقول في نفسها إنه من المستحيل أن أقابله، لذلك أخبرتني إن أنا فعلت، أستطيع بعدها أن أعود إليها..
كان يصغي إلي بعمق شديد ودقة عجيبة يا ماريا، لكنني أشعر، رغم ذلك، بأنه لا يصدقني، إذ ظهرت أمارات السأم والضجر على ملامحه. بعث إلي ببعضها حين قال:
- لقد وقعت اليوم أحداث انفجار لسيارتين مفخختين وسط المدينة، ومما لاشك فيه أن للمسلمين دخل في ذلك، أنتم متوحشون إرهابيون..
أعدت عليه ما قلت سابقا، وأنهيت حديثي بعبارة:
-هذه هي الحقيقة يا سيدي، المسلمون لا يؤذون أحداً، وليسوا إرهابيين كما يدعي بعض الإعلام، الإسلام دين السلام والحب والتسامح وهو برآء من كل ما تقوله عنه وسائل الإعلام الكاذبة..
قال بعد تأمل عميق:
- Let him go
......
هل أخبرتك عن النافذة؟ لعلي لم أفعل ! إنها وحيدة مثلي، حزينة، وسعيدة، أنظر عبرها، فأرى جبال الأطلس البيضاء، الخضراء، وسنابل القمح، وأزهار اللوز والزيتون وجدائل النخل.. أنظر عبرها فأشتم رائحة الحناء، والزعتر البلدي.. أنظر عبرها فأرى البياض إذا تجلى.. لكِ الآن أن تفرحي، أو أن تبكي. لكن تذكري دائماً: أنتِ البياض الوحيد في قلبي..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
مقتبسات من قصة:
سيدي الرئيس،
اسمي محمد، وأنا لست إرهابيا؛ بقلم: ابراهيم السبكي ( كاتبـْ فيـ صمتـْ )





[IMG][/IMG]



No comments:

Post a Comment