Friday, February 7, 2014

موضوع خداع المظاهر مأساة انثى ! امة اقرا


خداع المظاهر مأساة انثى !

نظرة أذهلت قلبي ، كنت أرى فيه الصورة التي توحي بكل جميل ، لا أنسى أول نظرة تلك التي حركت في دواخلي كل ذرة وبعثرت قلبي فلم أعد أسيطر على شيء فيَّ ، القلب يدق كما يريد والذهن يذهب أينما يشاء والنوم يذهل عن العيون حتى أحلامي صارت له ، لم أقف عند الصورة فما ان تعرفت عليه وكلمته رأيت كلامه أجمل من صورته ورقته أرقى من مظهره فجمع بين جمال الصورة وأناقة الكلمة ، راقني ذاك الاسلوب العاطفي الرائع يعزف على أوتاره معزوفة حركت ثنايا روحي ووجداني ، وكأنه كان يعرف ما أريد وأحب فبادرني به فزاد عندي ثالثة الشكل والكلمات وموافقة ما اهوى .
سيطر علي كساحر عليم يتقن كل فنون السحر واخترق عالمي مالكا له متصرفا به ، لم أعد أشعر بذاتي إلا معه كنت أتنفسه حبا وأهيم به عشقا وزادني على ذلك أخلاقه الرفيعة وتفهمه اللامحدود وعقلانيته المميزة ، كانت أياما رائعة وانا أراه عن بعد ولكن يا سيدي ما ان اقتربت منه حتى فجعت بفاجعة وجدي وفقدت أجمل شعور في حياتي لم يكن ذاك الكلام الا صورة خلت من الواقع ولا تلك الأخلاق الا شكلا لا حقيقة ، ولا تلك العواطف الا تمثيلية متقنة الأداء ، فهل من المعقول ان يتقن الناس الكذب كما أتقنه هذا الرجل ، وهل كنت ساذجة في اختياري ، أم انه النصيب الذي لا محالة صائب ، أم ماذا ؟ أكتب لك هذه الكلمات وأنا بحالة من اليأس والذهول بشكل لا يمكن تصوره فليته ظل بعيدا لأنه بالبعد كان أجمل ؟
ولك أقول يا ابنتي :
على قدر الحب تكون صدمة الحب ، وبقدر الهوى تكون فاجعة الهوى ، ونحن في علاقاتنا الاجتماعية لا نتعامل غالبا بعقولنا بل بقلوبنا وما جعل العقل الا ضابطا للقلب فاذا صار العكس وقعنا فيما وقعت به وصرنا إلى واد قد لا يستطيع العقل عندما يستيقظ أن يخرجنا منه ، ونعيش ذلك الصراع بين العقل والقلب فكل يلوم صاحبه ويتشاجران طويلا ثم نسلم لليأس ، انه اليأس لذي يأتي بعد فوات الأوان وقد ذهب كل شيء ..
انك يا ابنتي نظرت بعينيك فكانت تلك النظرة لحظة السقوط وبداية الهاوية ، فتحت بابا لا يمكنك غلقه وليس من الحكمة ان نبدأ بشيء لا يمكننا أن ننهيه ، إن عينيك لا ينبغي ان تفتح الا في الاتجاه الصحيح ، وعلى الرجل المناسب ..
ولك أن تقولي ولكن الحب يقع من أول نظره وهو يغلبنا ولا نغلبه ، فلو كنت مختارة للحياة والموت فاني سأختار الكره والحب ؟
وأقول لك ان كثيرا من المفكرين وعلماء النفس والسلوك لا يؤمنون بالحب من أول نظره لان الحب شجرة تنموا رويدا وبناء يكثر كل يوم لا معجزة توجد من العدم ، والوقوع بالحب يمكن السيطرة عليه في بداياته كالمرض تماما . مع ان ما شعرت به أول أمرك هو اعجاب لا حب ، ثم اتبعت النظرة بأخرى والكلمة بكلمات فكبرت تلك الشجرة في قلبك واشتد عودها وأرسلت جذورها في كل ناحية من قلبك فصار قلعها لا يمكن الا بأن يأخذ معه جزءا منك ويبعثر كل خلية فيه ويفسد عليك متعة حياتك ، ألا ترين أن الشتلة الصغيرة تنزع من الأرض بيسر فتبعثر بعض حبات التراب من حولها ولا يلبث التراب ان يعود لما كان وكأن شيئا لم يكن ، أما الشجرة الباسقة الكبيرة لا تنزع الا بجهد كبير ولا تترك ذرة من التراب إلا وتلقبها رأسا على عقب ويبقى بعض جذورها كندبة في ذاكرة الأرض زمانا طويلا وشاهدا عليها ،
انك آثرت النظرة التي هي سبب شقاءك وقد كنت تظنينها سبب سعادتك ، لا تحزني ان قلت لك انك الجانية على نفسك لا المجني عليها ،
الاعجاب كساتر العيوب الذي تستعمله النساء ، فيكون الوجه من بعيد كرائعة القمر ولكنه مع التدقيق والقرب لا يمكن للساتر ان يخفي كل شيء ، فيأتي الحب ليخفي كل شيء ويحجبه ، لأن حجاب الحب أشد من ساتر الاعجاب وأمضى في النفس وأذهب للب والعقل ، يأتي القلب فيغلبه سلطان الهوى فيغلب الهوى على القلب ويغلب القلب العقل لان النفس تدعمه وتسانده والشيطان يزين له الطريق ، وتكونين قد سقطت في شرك ذلك الشاب الذي يعرف ما تحبين فيصيدك به كالطعم الذي يلقى للسمكة وقطعة الجبن للفأر ، وقلما يكون حكم القلب صائبا .. فتغشى العيون غاشية محكمة ، فيرى الانسان القبح جمالا، وفساد الدين تحررا ، والتمسك بالقيم تعصبا وتشددا ، والكذب صدقا ، والخداع ذكاء ، والحمق خفة ولطافة ، والعفة كلفة ..
والشكل لا يدل على المضمون إلا عند محدود العقل والفكر وقليل التجربة والمراس ، كالطفل تماما ، تستهويه اللعبة الملونة وحجمها ولا يقيم وزنا لخاتم الألماس ويلقيه بالقمامة ، وأنت ليس لك تجربة في الناس ولا خبرة في الأشخاص فدخلت فيما تجهلين فلا شك أنك ستفقدي رأس مالك ، كالتاجر الذي يخوض فيما لا يعلم قلما يكون الربح حليفا له ..
لا تجزعي ان قلت لك انك أخطأت يوم نظرت إليه و يوم فتحت له أبواب قلبك ، ويوم غيبت عقلك ولم تستعيني بغيرك من أهل المشورات الا بعد ان فات الأوان ، ان العاقل الفاهم هو الذي يستشير غيره في أموره كما قال القائل :
شاور أخاك إذا نابتك نائبة ...... حتى ولو كنت من أهل المشورات
في مثل حالتك لا يكون الحكم صائبا لان شدة القرب حجاب ولأن العقل محجوب بفيروس الحب والهوى فتأتي المشورة كالمصل المضاد ليصحح المسار قبل ان يقضي الفيروس على كامل الجسم ويهلكه ، فكان لزاما عليك أن تستعيني بأهل العقل ليبينوا لك تلك العيوب ويظهروا لك تلك المزايا ..
لم يكن يوما الحب أعمى ولكن تعاملنا معه هو الذي يعمينا ، نسعى لنحب ثم نبكي ان أحببنا فيكون ما سعينا اليه عين ما هربنا منه ..
ان الجرح الذي أصابك عميق والألم بالغ والآثار طويلة الصحبة ، والزمن وحده هو الكفيل بمحو تلك الآثار فلا يبقى منها الا الأطلال وتكون درسا قاسيا لك ان تعلمت منه كان خيرا لك فبعض الدروس كالنار تحرق مرة لتتعلمي أن لا تمدي اليها يدك مرة أخرى ولكن المشكلة أن بعض لسعات النار لا تترك أثرا وبعضها يترك جلدا مشوها ...
لا يكن الداعي لك الى تجربة الحب والخوض فيها تلك الأوهام التي لا تكون في الواقع إلا بمثابة النادرة القليلة ولا يغرنك قصة الشاطر حسن وبنت السلطان فهي أوهام لا حقيقة ، لان الكثير من قصص الحب فاشلة لا تتم وتذكري قيس وليلى ، روميو وجولييت ، عنتر وعبلة أكبر دليل على ما أقول ..
لقد بنيت لنفسك بناء يخلف الواقع فتخيلت حياة وردية وجمالا مطلقا وراحة لا تنتهي وبالغت في التصور وخرجت عن الواقع فآلمك الواقع الذي يفرض نفسه عليك في النهاية بقسوة بالغة .
آن لك أن تتعلمي أن ما كل ما يلمع ذهبا ، وما كل محب صادق ، ولا كل صورة تعبر عن حقيقة ، وآن لك أن تتعلمي أن الذهب لا يظهر إلا بالغوص في أعماق الأرض للبحث عنه وأن التراب موجود في كل مكان ، وحق لك أن تتعلمي أن في الحياة من الأوهام أكثر مما فيها من الحقائق ، وأن السعادة في اتباع منهج الله تعالى ، وان تجعلي اختيارك قائم على المعنى لا الشكل ، وآن لك ان تجعلي خيالك مبنيا على الواقع ولا تبالغي بالتصور ، كما آن لك أن تعطي الأمور حجمها الطبيعي وتضعيها في قناتها المثلى ..
الكاتب مصعب الأحمد بن أحمد





:074:



No comments:

Post a Comment