Wednesday, February 12, 2014

موضوع لذة الكلام مع البسطاء امة اقرا


بسم الله الرحمن الرحيم



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




لذة الكلام مع البسطاء / التعرف على مكنونات المرء عند التكلم معه



لذة جديدة ، ومتعة حقيقية ، لم أعهدها من قبل ،

تكمن في محادثة البسطاء من الناس، والقدرة على استخراج

مكنونات تجاربهم إن وُفقت لهذا ،


فما كل بارقة ٍ تجود ُ بمائها ، لأنهم كالكنز الخفي ،
لا يستدل عليه إلا من وُفق ،

و لذلك ترى أن كثيراً من الملوك وأصحاب الشأن من العظماء يحرصون

على محادثة البسطاء العقلاء والبحث عنهم ،
مِمَن لم تدرج أسماؤهم
ضمن قائمة أعلام النبلاء في عصرهم .

سمع الخليفة هارون الرشيد برجل صالح اسمه ابن السماك فطلبه ،
دخل ابن السماك مجلس الخليفة ، وقد طلب الخليفة الماء ليشرب ،

فجلس ابن السماك ،

فقال الرشيد : عظني يا ابن السماك ، وقد أمسك الخليفة بالكأس ،

فقال له : لو مُنعتَ يا أمير المؤمنين هذه الشربة بكم تشتريها ؟

أطرق الخليفة مفكراً للحظات ، ثم رفع رأسه
و قال : بنصف ملكي !

فقال ابن السماك على الفور :
فإن مُنعتَ خروجها بكم كنت تشتريه ؟

سكت قليلا ً ثم أجاب بصوت خافت ، كأنه يحدث نفسه :
بنصف ملكي الآخر !

قال ابن السماك : إن مُلكا ً قيمته شربة ماءٍ
لجدير أن لا ينافس فيه ، فبكى الرشيد !!

فيا لله ، كم هي عبارات وجيزة اللفظ ، غزيرة الفائدة ،
سالمة من التعقيد واضحة الدلالة على المعنى .

يعادُ حَديثـُهُ فَيَزيدُ حُسنا ً ... وقد يُستَقبَحُ الشيءُ المُعاد ُ

إن هؤلاء الذين لا يُؤبه بهم متى حلوا وارتحلوا ،

مثل كبير السن الذي ربما تصادفه في محطة ٍ ما ،

أو الغريب التقي الخارج من أحد المساجد الصغيرة ،






أو صاحب الدكان في الأزقة الضيقة ،

أو المزارع القنوع ، أو البائع المتجول أو غيرهم ،

ينطقون أحيانا ً بكلام من ضروب الحكمة ،
يرسلها أحدهم فتحسبها مثلا ً ،

و ربما قذف أحدهم حكمة تقع منك بمكان ، فتتغير على أثرها حياتك ،

و لو كُتبت بمداد الذهب ، على صحائف الفضة ،
وعُلقت عند مداخل الجامعات ،

و وسط ميادين العواصم ، لقالوا ما أحكم مَن قالها !



نعم لا تستغرب ، قد تلتقط من أفواههم أقولاً تشبه الجواهر ،
تتسم بالوضوح والإيجاز ،

لا تجدها عند بعض كبار المثقفين والمتعلمين ،

الذين تسمع بأحدهم فيمتلئ سمعك إجلالا ً له وإكباراً ،
فإن شاهدته و حادثته لقلت

ما قاله ابن ماء السماء :

أن تسمع بالمُعَيدي خير من أن تراه !

تجالسه فتجده قليل التجربة ، يتخبط في حديثه كحاطب ليل ،

ويتقلب في رعونة عباراته كهواء البصرة ،

وذلك لأنه من الذين لم يخوضوا غمار الحياة إلا من خلال
المفاهيم النظرية الجافة ،

أما أولئك البسطاء فقد كابدوا الدنيا وعركتهم الأيام
ولم يغيرهم زهو منصبٍ

ولا ذيوع صيتٍ و لا عظيم جاه ، وليست النائحة الثكلى كالمستأجرة .
واكتشفت أيضا ً أن معرفة هذا الصنف من الناس من ثمين الصيد

الذي يحتاج صاحبه الى نظر دقيق واستقراءٍ لبعض الدلائل ،

لأنهم ليسوا بأصحاب أسماء رنانة فتعرفهم بها ،

بل هم كما أسلفت بسطاء أخفياء لهم من التجارب ما جعلهم

يمتلكون نظرة وعبرة وقدرة على إصدار حكم نتج عن خبرة ، بعبارة وجيزة

خالية من التعقيد مملوءة بالحكمة ،
ولذلك قيل أن طول التجارب زيادة في
العقل و لسان التجربة أصدق .

ومن تلك الدلائل الدالة عليهم على سبيل المثال كبر السن ،

وسعة الصدر، و طول الصمت ، و إجابته لسؤالك
عن الدنيا وعن أعباء الحياة

وعن تغير الناس ، و كيفية اختياره لابتداء الحديث معك ، وغير ذلك ،



قيل اقترب رجل ذات مرة من أحد أولئك البسطاء
الذين يُتوسم فيهم العقل ،

فقال له : أتسمح لي بسؤال ؟

قال : عن ماذا ؟

قال : أخبرني عن بعض الدروس التي تعلمتها من الحياة ؟

سكت قليلا ً ثم قال :
نعم .... تعلمت أنني قد أسبب جروحاً عميقة
لمن أحب في بضع دقائق فقط ،

لكن قد أحتاج لعلاجها سنوات طويلة !

وتعلمت أن الأغنى ليس الذي يملك أكثر ، بل الذي يحتاج أقل !


مما راق لي
طبتم بحفظ المولى ورعايته



No comments:

Post a Comment